تفاصيل الموضوع

فتنة الجمهور

تاريخ الموضوع : 14/5/2012 الموافق الإثنين 23 جماد الثاني 1433 هـ | عدد الزيارات : 4052

جميل أن يمارس الإنسان الدعوة إلى الله تعالى، ويستغرق فيها أوقاته، فتكون هي وظيفته وديدنته وهجيراه, وجميل أن يكون له جمهور يستمعون له، ويتأثرون به, يربيهم على مائدة الكتاب والسنة, فيستثمر هذا القبول في ترسيخ الإيمان في قلوبهم, وتثبيتهم على مبادئ دينهم، فلا غلو ولا تقصير، ولا إفراط ولا تفريط، بل وسطية الكتاب والسنة.

لكن المشاهد في الواقع الذي نعيشه أن ثمة مجموعة من الدعاة انحرفوا عن المقصد الأسمى، والهدف الأعلى، وهو الدعوة إلى الله تعالى، إلى الجمهور نفسه، رغبة في زيادته، وعدم هروب بعضه, ومحاولة استقطاب نوعيات أخرى، أو أطياف أخرى, مما نتج عنه محاولة تلبية رغبة الجمهور، عبر تطويع الشرع ولي نصوصه، لكي تتفق مع أهواء الجمهور ورغباته،  فصار هم أحدهم ما يطلبه المستمعون أو المشاهدون، وكم وصل عددهم, وكم هي الزيارات لموقعه أو صفحته, وكم عدد الأصدقاء والمعجبين، ...إلخ فما الداعي لكل هذا؟! وهل هذا شأن المخلصين وورثة الأنبياء والصالحين؟!

وربما وجدتَ أحدهم عنيفاً في طرحه، متشدداً في رأيه، متحمساً في خطابه، تجاه كثير من النوازل والقضايا، والمذاهب والأفكار المخالفة، بسبب نوعية الجمهور. وربما تحول جذرياً -بسبب تغير الجمهور، أو استبداله بجمهور آخر- فأصبح يغازل أصحاب المذاهب والأفكار والتوجهات المخالفة، ويخطب ودهم ، بفتاوى وأطروحات، ورؤى وتنازلات، تناسبهم وترضيهم،  وتظهره في مظهر المسالم والمتسامح والمنفتح.

فإلى هؤلاء أقول : إن القبول وكثرة الجمهور وقلته من الله وحده, فإذا شاء جعل لدعوتك قبولاً وأثراً, وإذا شاء صرف الناس عنك ولو فعلت ما فعلت.

كما أن الدين لله وحده, فليس من حق أي أحد أن ينصب نفسه بديلاً عن الله تعالى، أو رسوله صلى الله عليه وسلم, فيلغي منه  ما شاء, ويؤجل منه ما شاء، ويفسر منه ما شاء بناء على  الواقع أو رغبة الجمهور، فذلك شأن الأحبار والرهبان وملالي الرافضة،  أما في شرع محمد صلى الله عليه وسلم فطاعة واتباع، فالواجب أن نُخضِع الواقع للشرع لا الشرع للواقع، وقد قال صلى الله عليه وسلم ( من التمس رضا الله بسخط الناس رضي الله عنه، وأرضى عليه الناس، ومن التمس رضا الناس بسخط الله سخط الله عليه وأسخط عليه الناس ..)

ولأن بعض هؤلاء الدعاة ربما مارسوا الأسلوب نفسه مع الحاكم وولي الأمر، فاضطرب منهجهم معه، لأنهم لم يلتزموا منهج الكتاب والسنة وسلف هذه الأمة، أقول: إن علاقة المحكوم بالحاكم، والرعية بولي أمرهم ثابتة راسخة، واضحة بينه، لا لبس فيها ولا غموض، بيعة ثابتة، ونصيحة واجبة، وطاعة في غير معصية الله في المنشط والمكره، والعسر واليسر, وإن جاروا وظلموا واستأثروا ما لم يَظهروا بكفر بواح.

فهذه العقيدة لا تتغير بتغير الأحداث , وتنوع الجمهور وحجمه , لأنها مستمده من كتاب ربنا وسنة نبينا صلى الله عليه وسلم.

وخليق بمن قدم هوى نفسه ومرادها -من منصب أو جاه أو مال أو سمعة وشهرة- على مراد الله فصار يدعو  لنفسه بدلاً من الدعوة لربه، أن يصرف الله عنه وجوه الناس حكاماً ومحكومين , فالقلوب بيده جل وعلا يصرفها كيف يشاء، ومن ابتلى بشي من ذلك فليعلم أنه تأديب من الله وتذكير، لعله أن يتوب ويؤوب، ويراجع منطلقاته ويحدد أهدافه، ويصحح نيته،  نسأل الله تعالى الثبات حتى الممات والإخلاص والقبول في القول والعمل، وصلى الله وسلم على نبينا محمد.

د. سليمان بن محمد الدبيخي

Bookmark and Share

عرض التعليقات

  • طرح موفق ورأي مسدد
    أدخل بواسطة : د. نهار العتيبي | تاريخ التعليق : 21/05/2012 01:07:14 PM | بلد المعلق : السعودية

    جزاكم الله خيراً فضيلة الدكتور على هذا الطرح المناسب في توقيته وموضوعه فإن الأساس هو الإعتماد على نصوص الكتاب والسنة وما حصل الشطط والانحراف يميناً أو شمالاً إلا بسبب الابتعاد عنهما . أسأل الله تعالى أن يجزيك على ماكتبت خيراً الجزاء وأن يدلنا وأخواننا الدعاة على طريق الحق والهدى وأن يرزقنا الإخلاص في أقوالنا وأعمالنا .


إضافة التعليق