تفاصيل الموضوع

واقع بعض طلاب الدراسات العليا وبعض الصعوبات

تاريخ الموضوع : 30-03-2018 الموافق الجمعة 14 رجب 1439 هـ | عدد الزيارات : 2701

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أجمعين أما بعد :

        فإني أشكر الله سبحانه و تعالى على نعمه ومننه وفضله وإحسانه. ثم أشكر الجمعية العلمية السعودية لعلوم العقيدة والأديان والفرق والمذاهب على الجهود التي يبذلونها لخدمة العلم وطلابه .

      ومن الأمور التي تشكل على الطلاب ما يتعلق بتسجيل الرسائل العلمية واختيار المناسب منها ومما يلاحظ على بعض الطلاب والطالبات عدم الاستعداد والتأهيل الكافي للمرحلة العلمية التي هم بصددها ، وكذلك حاجة كثير من الطلاب والطالبات إلى البناء العلمي الكافي والتأهيل الجيد والاستعداد الصحيح ؛ فلا بد من مراجعة هذا الموضوع ومدارسته بين المختصين ، وكثيرا ما يستفسر الطلاب عن موضوعات بحثية لتسجيلها ، ثم تقترح عليهم بعض الموضوعات وفيها عمق وغموض وصعوبة عليهم ، وبعض المدرسين قد يزهدهم في الموضوعات الأساسية في التخصص من قضايا التوحيد والإيمان وما يندرج تحتها ودلائل التوحيد وبراهينه ودلائل النبوة الشرعية والعقلية والحجج العقلية الدالة على البعث بعد الموت والحساب والجزاء مما بينه الله تعالى في كتابه ، ومسائل الصحابة والإمامة والولاية وغيرها من الموضوعات الأساسية في التخصص فيزهدونهم في دراستها بحجة أنها قد بحثت مع أنه يمكن تجديد البحث فيها وتنويعه وربطه بقضايا علمية أو زمنية أو شخصيات متميزة فيظهر من خلالها فوائد واسنباطات، بالإضافة إلى بناء الطالب وتكوينه التكوين السليم ، ليتمكن من العطاء والنفع لطلابه ولعموم الناس.

      وعلى سبيل المثال هناك من الموضوعات التي تقترح على بعضهم لأجل نقد أطروحات فلسفية أو كلامية أو شخصيات أجنبية وقد سمعت من بعض الطالبات وأغلبهن في مرحلة الماجستير !! هذه العناوين:

١/الموت بين الوجودية والإسلام

٢/دليل الإمكان العقلي

٣/ كتابات الفيلسوف أوشو الهندي

٤/نظريه التطور الموجه (فكرة يطرحها بعض المنتسبين للإسلام لتطوير نظرية دارون )

      ومع سؤالي لبعضهن وجدتهن لم يقرأن عقيدة أهل السنة والجماعة على وجه الفهم التفصيلي ولم يدرسنها بشكل كاف!

     فالطالبة التي لم تقرأ أصول الإيمان القراءة الصحيحة ولم تعرف أدلته وبراهينه وما يتفرع منه من مسائل ولم تدرس العلم على طريقة أهل العلم ولم تتلق عن أهل الرسوخ فيه يصعب عليها البحث في تلك المسائل ودراستها، وقديما قيل: من دخل في العلم وحده؛ خرج وحده ، وقيل أيضا: من لم يشافه عالماً بأصوله فيقينه في المشكلات ظنون فلا بد من أصالة الطلب في دراسة العقيدة الصحيحة، مع الحفظ والضبط والفهم ، ومن لم يتقن الأصول، حرم الوصول.

      قال الشيخ بكر أبو زيد رحمه الله في كتاب حلية طالب العلم (وقد كان الطلب في قطرنا بعد مرحلة الكتاتيب والأخذ بحفظ القرآن الكريم يمر بمراحل ثلاث لدى المشايخ في دروس المساجد: للمبتدئين، ثم المتوسطين، ثم المتمكنين: ففي التوحيد: ”ثلاثة الأصول وأدلتها"، و ”القواعد الأربع"، ثم ”كشف الشبهات"، ثم ”كتاب التوحيد"؛ أربعتها للشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله تعالى، هذا في توحيد العبادة. وفي توحيد الأسماء والصفات: ”العقيدة الواسطيه"، ثم ”الحموية"، و ”التدمرية"؛ ثلاثتها لشيخ الإسلام ابن تيميه رحمه الله تعالى، فـ "الطحاوية” مع ”شرحها".) ثم سرد بقية الكتب في مختلف فنون العلم .

      إن مناقشة الملاحدة وكفرة الفلاسفة وإبطال أصول الملحدين أمر مهم ويحتاج إليه المسلمون لكشف شبهات الكفار ودحض أباطيلهم وتحذير المسلمين من الاغترار بها ؛ ولكنه يحتاج فيه الطالب أولا إلى تثبيت الإيمان في قلبه وضبط دلائل التوحيد الشرعية والعقلية والتعرف على طرائق أهل العلم المتقدمين في نقض أصول المبطلين وإلا يكن هكذا فقد تهجم عليه الوساوس وتكثر عليه الشبهات ولا يتمكن من دفعها ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم وكيف يعالج المرضى من لا يعرف أصول الطب والعلاج ، وكيف يقاتل الجندي الأعداء بدون سلاح أو بسلاح ضعيف!

     قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله : (وقد ينهون – أي: السلف - عن المجادلة والمناظرة إذا كان المناظر ضعيف العلم بالحجة وجواب الشبهة؛ فيخاف عليه أن يفسده ذلك المضل، كما ينهى الضعيف في المقاتلة أن يقاتل علجاً قوياً من علوج الكفار؛ فإن ذلك يضره ويضر المسلمين بلا منفعة ... والمقصود أنهم نهوا عن المناظرة من لا يقوم بواجبها، أو من لا يكون في مناظرته مصلحة راجحة، أو فيها مفسدة راجحة، فهذه أمور عارضة تختلف باختلاف الأحوال ، وأما جنس المناظرة بالحق فقد تكون واجبة تارة ومستحبة تارة أخرى، وفي الجملة جنس المناظرة والمجادلة فيها: محمود ومذموم، ومفسدة ومصلحة، وحق وباطل ، ومنشأ الباطل من نقص العلم، أو سوء القصد) درء التعارض 7/173 .

       وقال ابن عبدالبر رحمه الله: (قال بعض العلماء: كل مجادل عالم وليس كل عالم مجادلاً, يعني: أنه ليس كل عالم يتأتى له الحجة ويحضره الجواب، ويسرع إليه الفهم بمقطع الحجة, ومن كانت هذه خصاله فهو أرفع العلماء وأنفعهم مجالسة ومذاكرة, والله يؤتي فضله من يشاء، والله ذو الفضل  العظيم) جامع بيان العلم وفضله 2/107 .
     وقال الشيخ بكر أبو زيد (ولهذا ينزل كل عالم منزلته ، وحسب تأهله ، وما يفتح الله به عليه، فمن العلماء من يكون تأهله للرد على الملاحدة ومن في حكمهم ، ومنهم من يكون للرد على أهل الملل والأديان الباطلة ، ومنهم المتأهل للرد على أصحاب الصَّغَار من المبتدعة المنتسبين إلى الإسلام ، ومنهم المتمكن لتولي الرد على أرباب الشذوذات الفقهية ، ومنهم من يجمع الله له كسر هذه الصنوف ، ومحاجتهم بالحق ، كما هيأَ الله سبحانه ذلك في أفذاذ من العلماء ، وكان من أجلهم : أبو العباس تقي الدين شيخ الإسلام ابن تيمية  رحمه الله تعالى ، فقد كان على كل مخالف مذموم ، كالسيف المصلت ، والريح القاصف) الرد على المخالف.
      وأيضا فإن بعض هذه الموضوعات كما أنها تشغل حيزا كبيرا من وقت الطالب وعمره ونشاطه العلمي فإنها في كثير من الأحيان قليلة الجدوى والفائدة ، هذا إذا تمكن الطالب من الكتابة الجيدة فيها فإن كثيرا من الطلاب يتعثر أو يقدم ما لا فائدة فيه.
    ولهذا أرى الحاجة الملحة لعقد ندوة أو ورشة عمل في مقر الجمعية أوخارجها يتناول المتحدثون فيها كيفية تسجيل الرسائل العلمية، وكتابة المخططات البحثية، وبيان مستوى الموضوعات، والتمييز بينها، والأولويات العلمية المنهجية، وقدرة الطالب على تناول الموضوع ومناسبته له، وبيان تفاوت الطلاب قوة وضعفا ومعرفة الطالب لمستواه وقدراته وميوله العلمية، والمقاييس العلمية الصحيحة لهذا المستوى؛ فبعض الموضوعات تحتاج إلى تاهيل علمي قوي في التخصص العام والتخصص الدقيق حتى يتيسر للطالب النقد العلمي المناسب، كما أقترح أن تتضمن الندوة ذكر سبل إنجاح مسيرة الأقسام العلمية المتشابهة في جامعات المملكة في هذا الباب، وكيفية الإجابة على تساؤلات الباحثين والباحثات ، وإرشادهم وإعانتهم، والتذكير للمرشدين والمشرفين وأعضاء المجالس العلمية بعظم المسؤولية وأهمية العناية بالطلاب والطالبات وإرشادهم لما ينفعهم ويناسبهم وصرف نظرهم عما لا يناسبهم، والله الموفق والهادي إلى صراط مستقيم وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين .


كتبه : فهد بن سليمان بن إبراهيم الفهيد

الأستاذ في قسم العقيدة والمذاهب المعاصرة في كلية أصول الدين

جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية في الرياض

 يوم الخميس ١٢-٧-١٤٣٩

Bookmark and Share