تفاصيل الموضوع

قبل أن يُكسر الحاجز

تاريخ الموضوع : 2/5/2012 الموافق الأربعاء 11 جماد الثاني 1433 هـ | عدد الزيارات : 2251

(إياك والمرة الأولى)

كثيراً ما يقع الإنسان في بعض التجاوزات والأخطاء الكبيرة في نظر المراقبين وفي نظره هو قبل أن يُكسر الحاجز،  أما بعد كسره فهو لا يراها كبيرة بل ربما وصل إلى مرحلة تبريرها وتسويغها شرعاً، وربما لا يجد لها في ذهنه ووقته كبير اهتمام وبالتالي فهو لا يفكر فيها، ولا يأبه بها.

نعم قد يحجم الإنسان كثيراً  أو يتردد كثيراً عن أخذ مال لا يحل له مع قدرته عليه بأدنى الحيل، خوفاً وخشيةً من الله تعالى، لكنه عندما يكسر هذا الحاجز العظيم -أعني الخوف من الله- فيأخذه مرة وثانية وثالثة فإنه يستمرئ الأمر ويستسهله، وربما بحث عن  المسوغات الشرعية له .

وهكذا عندما يهم بمعصية ما، فإنه كذلك يجد في نفسه خوفاً من الله وخشية له وتعظيماً لحرماته، وكثيراً ما يحجزه ذلك عن فعل هذه المعصية،  لكنه إن تساهل وتشاغل عن هذه الحواجز، وغلبته نفسه على فعل المعصية، فهو ليس بمأمن من فعلها ثانية وثالثة ... دون أن يكون في نفسه شيء من هذه الحواجز والروادع الشرعية.

وهكذا المسئول أياً كان موقعه عندما يسمح لنفسه بتجاوز هذه الحواجز لمصالح شخصية، وأغراض دنيوية، -وقد يحمله ذلك على أن يقدم موظفا على آخر، سواء بالتعيين أو التقويم  ونحو ذلك- فإنه ليس بمأمن من ظلم العباد دون أن يشعر أن ذلك ظلم.

والمدرس أيضا مع طلابه عندما يتعاطف مع طالب  فيريد مساعدته دون غيره، فإنه يستعظم ذلك ويرهبه خوفاً من الله، لكنه إن تجاوز وفعل، فإنه ليس بمأمن من أن يفعلها ثانية وثالثة دون أن يخطر بباله أن ذلك ليس عدلاً.

فحري بكل مسلم ينشد النجاة عند ربه والفوز بالدار الآخرة أن يربي نفسه على الخوف والخشية من الله تعالى، واستشعار مراقبته له في كل وقت وحين.

والخوف المحمود هو الذي يحمل صاحبه على فعل المأمور وترك المحظور.
والخشية الحقة هي أن يستشعر الإنسان عظمة الله تعالى وقدرته عليه، فلا ينظر إلى صغر المعصية بل ينظر إلى عظمة من يَعصي .

وهذه منزلة عالية ودرجة رفيعة إذا اتصف بها المسلم كان من الفائزين حقاً كما قال تعالى: ﴿  وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَخْشَ اللَّهَ وَيَتَّقْهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ ﴾   وإن من علامات الخشية الحقة لا المدعاة : أن تصاحبَ المسلمَ في كل أحواله لاسيما في خلواته، وذلك عندما يقدر على المعصية أو التجاوز دون أن يعلم بذلك أحد من المخلوقين، فيبتعد عنها خشية من الله تعالى، وتأمل قول الله تعالى: ﴿  إِنَّ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ ﴾ .

وقد خاب وخسر من يخشى المخلوق دون الخالق فهو يخشى الناس وألسنتهم ونقدهم  فيرضيهم وإن كان في سخط الله، يعطي ويمنح ليرضي فلاناً، ويمنع ويرفض ليحظى بالقرب من فلان، يحب للدنيا ويبغض للدنيا، وقد قال عليه الصلاة السلام (من التمس رضا الله بسخط الناس رضي الله عنه وأرضى عنه الناس، ومن التمس رضا الناس بسخط الله سخط الله عليه وأسخط عليه الناس)
ومما يؤثر  عن عمر بن عبد العزيز رحمه الله:( من خاف الله أخاف الله منه كل شيء، ومن لم يخف الله خاف من كل شيء )
وختاماً....

المرة الأولى إياك أخي الكريم أن تقتحمها ففيها يكون الخوف والخشية والوجل من الله تعالى، فإن فعلت وتجاوزت فاعلم أن الحاجز قد انكسر، ورأب  صدعه وإصلاحه قد يكون صعباً، فهو يحتاج إلى إيمان راسخ، ومجاهدة كبيرة، وقوة إرادة، وصدق توبة، وفقنا الله جميعاً لخوفه وخشيته ومراعاة حدوده.

د. سليمان بن محمد الدبيخي

  

Bookmark and Share

إضافة التعليق