تفاصيل الموضوع

فوائد السمع والطاعة لولي الأمر وأهدافها

تاريخ الموضوع : 17/3/2014 الموافق الإثنين 16 جماد الاول 1435 هـ | عدد الزيارات : 9548

للاستماع الصوتي اضغط هنا

إنَّ الحمدَ لله، نحمدُه ونستعينُه، ونستغفرُه، ونتوبُ إليه، ونعوذُ به من شرورِ أنفسِنا؛ ومن سيِّئاتِ أعمالِنا، من يهدِه الله فلا مُضِلَّ له، ومن يضلل فلا هاديَ له، وأشهد أنْ لا إلهَ إلا الله وحدَه لا شريكَ له، وأشهدُ أن محمداً عبدُه ورسولُه صلَّى الله عليه، وعلى آلهِ وصحبِهِ، وسلَّمَ تسليماً كثيراً إلى يومِ الدين،     أمَّا بعد:

فيا أيُّها النَّاسَ، اتَّقوا اللهَ تعالى حَقَّ التقوى، عباد الله، إن من عظمة هذا الدين أن جعل الناس أفرادا وجماعات وأمما إلى أن يعيشوا تحت مظلة هذا الدين وشرع من الشرائع ونظم العبادات كلها لتقوية هذا الهدف العظيم، فما اجتماع المسلمين في اليوم والليلة لأداء هذه الصلوات الخمس في المساجد إلا تأصيلا لهذا الاجتماع، وما اجتماعنا يوم الجمعة وسماع الخطبة وتوسع الاجتماع إلا أيضا دليل على تأصيل هذا المبدأ، وما صلاة العيدين، وما الاجتماع في الحج الذي يمثل أقطار الدول الإسلامية والعالم كلها تحت مظهر واحد وملبس واحد وهدف واحد إلا دليل على تأصيل هذا المبدأ العظيم وهو الدعوة والاجتماع على الحق والهدى، وقد ربى الإسلام أتباعه أن تكون علاقاتهم قائمة على أسس العقيدة السليمة الصحيحة فإنها تجمع القلوب وتؤلفها: (لَوْ أَنفَقْتَ مَا فِي الأَرْضِ جَمِيعاً مَا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ)، وأي اجتماع على غير عقيدة فاجتماع شكلي لا يؤتي ثماره ولا يؤدي الغرض ولا يدوم وإنما الشيء النافع ما قام على أسس العقيدة الصحيحة الذي تدعوا إلى التآلف واجتماع الكلمة، والمسلمون يتمتعون بحقوق وشراكة بينهم رغم اختلاف اللون واللغة والعرق والقبلية: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ)، والنبي صلى الله عليه وسلم يخاطب الناس: " أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ رَبَّكُمْ وَاحِدٌ وَإِنَّ أَبَاكُمْ وَاحِدٌ أَلاَ لاَ فَضْلَ لِعَرَبِىٍّ عَلَى أَعْجَمِىٍّ وَلاَ لِعَجَمِىٍّ عَلَى عَرَبِىٍّ وَلاَ لأَحْمَرَ عَلَى أَسْوَدَ وَلاَ أَسْوَدَ عَلَى أَحْمَرَ إِلاَّ بِالتَّقْوَى" فصلوات الله وسلامه عليه أبدا دائما إلى يوم الدين.

ومما دعا الإسلام إليه الاجتماع على ولي الأمر، والسمع والطاعة لولي الأمر، ودعا المجتمع المسلم إلى أن يكون لهم إمام واحد يلتفون حوله ويجتمعون عليه يولونه أمرهم ليسوسهم بالخير ويقيم بهم الصلاة ويقيم فيهم الحدود ويحفظ دماءهم وأموالهم وأعراضهم، ويقيم العدل بينهم، وأوجب عليهم طاعة هذا الإمام والسمع والطاعة له بالمعروف يقول الله جل وعلا: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنْكُمْ)، ويقول صلى الله عليه وسلم: "عَلَى الْمُسْلِمِ السَّمْعُ وَالطَّاعَةُ فِيمَا أَحَبَّ وَكَرِهَ، مَا لَمْ يُؤْمَرْ بِمَعْصِيَةٍ، فَإِذَا أُمِرَ بِمَعْصِيَةٍ فَلاَ سَمْعَ وَلاَ طَاعَةَ"، وهذا الإمام إذا سمع وأطيع اجتمعت الكلمة وانتظم الحال، وعند معصية ولي الأمر يكون الضعف والبلاء في الأمة ولهذا النبي صلى الله عليه وسلم أوجب على كل مسلم في عنقه بيعه أن يحافظ عليها وأن لا يتخلى عنها ولا ينقضها يقول صلى الله عليه وسلم: "مَنْ خَلَعَ يَدًا مِنْ طَاعَةٍ لَقِىَ اللَّهَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ولاَ حُجَّةَ لَهُ" ويقول أيضا: "مَنْ مَاتَ وَلَيْسَ فِي عُنُقِهِ بَيْعَةٌ مَاتَ مِيتَةً جَاهِلِيَّةً"، وحرم على المسلمين الخروج عن أئمتهم وأوجب السمع والطاعة بالمعروف وتقديم المصالح العامة على المصالح الشخصية: "خَيْرُ أَئِمَّتِكُمُ الَّذِينَ تُحِبُّونَهُمْ وَيُحِبُّونَكُمْ، وَيُصَلُّونَ عَلَيْكُمْ وَتُصَلُّونَ عَلَيْهِمْ، وَشِرَارُ أَئِمَّتِكُمُ الَّذِينَ يُبْغِضُونَكُمْ وَتُبْغِضُونَهُمْ، وَتَلْعَنُونَهُمْ وَيَلْعَنُونَكُم"ْ، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَفَلا نُنَابِذُهُمْ؟ قَالَ: "لا، مَا أَقَامُوا فِيكُمُ الصَّلاةَ".

أيها المسلم، وإن التفرق والاختلاف سبب لهلاك الأمة ودمارها، وإن اجتماعها وتآلفها سبب لقوتها وعزتها، فعز الأمة وقوتها وهيبتها ومكانتها إنما تكون بالتآلف واجتماع الكلمة والسمع والطاعة والتعاون على الخير في الأحوال كلها.

أيها المسلمون، وإذا تأمل المسلم كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم رأى أن للاجتماع الكلمة والسمع والطاعة فوائد كثير عظيمة:

فمنها: أن السمع والطاعة لولي الأمر مما يسبب الخلوص من الفتن والمصائب، ولما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم عن الشر الذي يقع في آخر الزمان فسأله الصحابي قال: "تَلْزَمُ جَمَاعَةَ الْمُسْلِمِينَ وَإِمَامَهُمْ". قُلْتُ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ جَمَاعَةٌ وَلاَ إِمَامٌ قَالَ: "فَاعْتَزِلْ تِلْكَ الْفِرَقَ كُلَّهَا، وَلَوْ أَنْ تَعَضَّ بِأَصْلِ شَجَرَةٍ".

ومنها: أن الاجتماع والسمع والطاعة فيه تحدي فيه مقاومة ووقف أمام التحديات المعاصرة، فإن عالمنا الإسلامي اليوم يواجه تحديات معاصرة من أعداء دينه على اختلاف أفكارهم ووجهة نظرهم؛ لكنهم متحدون ضدنا واقفون أمام عقيدتنا وقيمنا وأخلاقنا، فمجتمع قوة المسلمين وتآلفهم يكون موقفا قويا أمام هذه التحديات الضارة التي يكيد لها أعداءنا، فإن أعداءنا يغيظهم أن يرون بنا قوة واجتماعا وتآلفا وتعاونا بين قيادة الأمة يغيظهم ذلك.

ومنها: أن هذا الاجتماع يظهر عظمة الإسلام، وقوة الإيمان، هذا الدين هو الذي وحده استطاع أن يؤلف القلوب يقول الله جل وعلا: (وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَاناً)، فقوتنا واجتماعنا وتآلفنا وصدقنا في تعاملنا فيما بيننا قوة بتوفيق من الله، إنما يخشى علينا من تفرق وضعف واندساس بعض المغرضين والحاقدين على الإسلام وأهله وممن ينتسبون إلى الإسلام ممن عندهم شيء من الدنيا يريدون بها تدمير الأمة وإحداث الفتن والمصائب وطاعة أعداء الله في إذلال الأمة وإرهابها وإضعافها.

ومنها: أن هذا الاجتماع دليل على المحبة الصادقة، فالاجتماع والتآلف دليل على المحبة الصادقة، محبة الإيمان.

ومنها: أن هذا الاجتماع ينزع عنا العصبية القبلية والتعصبات الجاهلية لا لقبيلة ولا لحزب ولا لمبدأ نحن أمة واحدة عقيدة وشريعة يجب أن نخضع لها، فلا مجال للتعصبات القبلية ولا للتعصبات الفكرية فإن هناك من يتعصب لقبيلة أو لفكر أو لرأي، فنحن في الإسلام لا نتعصب لفكر من الأفكار هدفنا وغايتنا اتباع كتاب ربنا وسنة نبينا صلى الله عليه وسلم، أما التعصب للأفكار والآراء والوقوف والدفاع عنها مهما كان حالها حقا أم باطلا، فذلك أمر غير مرهون في ديننا، فالتعصب ليس ضد الأشخاص ولا لمبادئ إنما هذا الدين وقيمه وأخلاقه فمن تعصب لهذا الدين دفاعا عنه وتبين فضائله والدعوة إلى اجتماع الكلمة فهو المحق، أما التعصب للفكرية وأن يكون هدفنا التعصب لفكر من الأفكار والدفاع عن هذا المبدأ مهما كان حاله فإن هذا خلاف المشروع، فالمسلم إنما هدفه هذا الدين دفاعا عنه وتأصيلا له وردا لكل شبهة من الشبه التي يوالي فيه المغرضون الحاقدون عن الإسلام وأهله.

ومن أهداف الاجتماع أيضا: السلامة من كيد الأعداء المتربصين بنا.

أيها الأخوة، أعداءنا يتربصون بنا، أعداءنا يعرفون مجدنا، وشرفنا وفضلنا، وماضينا المجيد، وأخلاقنا الكريمة، فهم يحاولون أن يفصلونا عن ديننا وأن ينئوا عن ديننا، وأن لا يجعلوا لديننا مكانة فيما بيننا فهذا دليل على ضعفنا، فالواجب أن نستعين بالله ونحاول أن نسلم من كيد الكائدين وحقد الحاقدين الذين لا يرضون إلا أن نتخلى عن ديننا: (وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ)، (وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّاراً حَسَداً مِنْ عِنْدِ أَنفُسِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ الْحَقُّ).

أيها المسلمون، ومن أهداف السمع والطاعة أيضا: حصول البركة واجتماع الخير يقول الله جل وعلا: (وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ)، ويخاطب النبي الأنصار فيقول لهم: "أَلَمْ أَجِدْكُمْ ضُلاَّلاً فَهَدَاكُمُ اللَّهُ بِي، وَعَالَةً فَأَغْنَاكُمُ اللَّهُ بِى، وَمُتَفَرِّقِينَ فَأَلَّفَكُمُ اللَّهُ بِى".

ومن آثار الاجتماع وفوائده أيضا: قوة المؤمنين ورعب عدوهم منهم، فإن الأمة إذا اجتمعت كانت قوة لا تغلب، إذا نظر الأعداء إلينا قوة متماسكة منتظمة بعضنا بعض يشد بعضنا أزر بعض ويقوي بعضنا بعضا، ويعين بعضنا بعضا، وينصح بعضنا بعضا كانت قوة لا تغلب، أما إذا بقينا العدو ينهشنا من كل جانب شرقا وغربا كلما وجد فرصة انقض على جماعة المسلمين قتلا وتشريدا هذا كل منه البلاء، فاجتماعنا قوة لا تغلب يحسب الأعداء حسابها.

ومن آثار اجتماعنا أيضا: أن نغيض عدو الله إبليس الذي يسبب التحريش بيننا وإفسادنا بعضنا على بعض يقول صلى الله عليه وسلم: "ما مِنْ ثَلاَثَةٍ فِي قَرْيَةٍ لاَ يُؤَذَّنُ وَلاَ تُقَامُ فِيهِمُ الصَّلاَةُ إِلاَّ اسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمُ الشَّيْطَانُ".

فيا أمة الإسلام، إن الاجتماع والتآلف من أسباب القوة، إن مصاب الأمة جلل وبلاءها العظيم الذي حل اليوم وما نسمع من الأحداث المؤلمة من تفجيرات وقتل وسفك للدماء ونهب الممتلكات وانتهاك للأعراض وقتل الأبرياء هذه أمور إنما هي نتيجة الاختلاف وعدم التآلف وعدم الصدق مع الله في الأقوال والأعمال.

إن الواجب على الأمة أن تسعى جميعا للتأليف بينها وحل مشاكلها بالتآلف والاجتماع والتعاون: (وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ)، إن أمة الإسلام مصابة بمصيبة جلل عظيم كلما تأمل المسلم وتدبره وجد أنه بلاء عظيم ما سببه؟ اختلاف القلوب. ما سببه؟ البعد عن الدين. ما سببه؟ وجود فئة حاقدة تندس تحت الإسلام وهي بريئة منه تريد إفساد هذا الدين والقضاء عليه، وجود فئة من الناس عندها شيء من المال تريد بهذا المال أن يكون سببا لتفريق الأمة وإذلالها وإحداث المؤامرات بين صفوفها وكل هذه أمور خطيرة، فواجب علينا أن نتقي الله في أنفسنا وأن نعود إلى واقعنا ونصلح أخطاءنا ونقيم سلوكنا ولنكن يد واحدة بعضنا مع بعض، وقوفا صفا واحدا أمام كل التحديات، أمام كل الدعايات، أمام كل الأعداء، فإذا توحدنا جميعا فإنه يرجى الخير الكثير يقول جل وعلا: (وَلا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ) أي قوتكم، فإن هذه الفتن والمصائب الذي عمت الأمة حتى أن بعضهم ربما تأسف على زمن ماض وإن كان فيه أخطاء لكن لما راى الخطر العظيم والشر المستطيل والبلاء العظيم.

هذه الفتن يا إخواني مصيبة عظيمة، أعداءنا أمنون مطمئنون في بلادهم ويصنعون ويزرعون ويتنعمون وأبناء المسلمين في ذعر وخوف في العراق في سوريا في اليمن في تونس في ليبيا في الصومال هذه الدول الإسلامية تسام سوء العذاب على أيدي المغرضين والحاقدين مؤامرات أعداء الإسلام لا تخلوا كل يوم تدبر مؤامرة إن لم تنجح في فكرة جاءت بفكرة أخرى وهكذا، يقلبون الشر والفتن علينا لكي يذلونا ويهينوا كرامتنا فواجبنا أن نتقي في أنفسنا وأن ندافع عن ديننا، وأن نلتقي بعضنا بعض، وأن نكون يدا واحدة في كل أحوالنا فعسى الله أن يوفقنا ويؤيدنا بنصر من عنده إنه على كل شيء قدير: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ).

بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني إيَّاكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقولٌ قولي هذا، واستغفر الله العظيم الجليل لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب فاستغفروه وتوبوا إليه إنَّه هو الغفورٌ الرحيم.

 

الخطبة الثانية

الحمدُ لله حمدًا كثيرًا طيِّبًا مباركًا فيه كما يُحِبُّ ربُّنا ويَرضى، وأشهد أنْ لا إلهَ إلا الله وحدَه لا شريكَ له، وأشهد أن محمَّدًا عبدُه ورسولُه، صلَّى اللهُ عليه، وعلى آله وصحبه وسلّمَ تسليمًا كثيرًا إلى يومِ الدينِ،      أما بعدُ:

فيا أيُّها الناس، اتَّقوا اللهَ تعالى حقَّ التقوى، عباد الله، إن لله حكمة عظيمة في الدعوة إلى اجتماع الكلمة ووضع إمام للأمة يسوسها بكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، فولاة الأمر فيهم خير للأمة فإن بهم ينصر الحق، وبهم ينصر الله المظلوم، وبهم تؤدى الحقوق، وبهم يقام العدل، وبهم تجتمع الكلمة، وبهم تحفظ الدماء، وتصان الأموال والأعراض، من ولاة يأمن الناس على دماءهم وأموالهم وأعراضهم بالولاة ومن الاجتماع عليهم ومن السمع والطاعة لهم بالمعروف يحصل الخير الكثير، وما أصاب الأمة من مصائب إلا بتخليها عن قياداتها وخروجها عليها حتى أدى الأمر إلى ما أدى إليه من هذا البلاء العظيم، نسأل الله أن يرفع المحنة والبلاء.

أيها المسلم، وليس ذلك أن نقول أن كل إمام معصوم، فالمعصوم من عصمه الله، لكن كيف نعالج أخطاءنا؟ أبي هذه التغريدات السيئة، فكم من مغردين هداهم الله يغردون ويقولون ويأتون بكلام سيئ لو تفكروا بعد ذلك لرأوا خطأهم في أساليبهم وأطروحاتهم ومقالاتهم، إن الواجب علينا أن نسعى في الإصلاح والنصيحة بالطرق السليمة التي ترشدنا إليها يقول صلى الله عليه وسلم: "إِنَّ اللَّهَ يَرْضَى لَكُمْ أَنْ تَعْبُدُوهُ وَلاَ تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً، وَأَنْ تُنَاصِحُوا مَنْ وَلاَّهُ اللَّهُ أَمْرَكُمْ"، "الدِّينُ النَّصِيحَةُ"،  قُلْنَا لِمَنْ يا رسول الله؟ قَالَ: "لِلَّهِ وَلِكِتَابِهِ وَلِرَسُولِهِ وَلأَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ وَعَامَّتِهِمْ"، فالتناصح بيننا وإيصال الحق بالطرق السلمية بيننا أمر مطلوب، أما التغريدات والتشويهات وإثارة الأحقاد والبغضاء والقذف والسب والشتم  ليس هذا من أخلاق المسلمين هذا من أخلاق الجاهلين أما المسلم ليس بالسباب ولا باللعان ولا بالفاحش البذيء ولكنه سليم القلب، سليم اللسان يقول حقا ويدعو إلى حق لا يقول باطلا ولا يدافع عن باطل ولا يفتري ولا يقذف ولا يتكلم بكلام لا حقيقة له.

فيا أيها المغردون، اجعلوا تغريداتكم هذه تغريد اجتماع أمر يخدم الأمة ويجمع كلمتها ويوحد صفها ويقيها شر المزالق، فإن أعداءنا أعداء الإسلام ربما استعملوا هذه الأشياء للنيل منا ولقيادتنا ولضرب بعضنا ببعض، نحن أمة مسلمة بايعنا قيادتنا على كتاب ربنا وسنة نبينا صلى الله عليه وسلم يلزمنا السمع والطاعة بالمعروف والموالاة والمحبة والتعاون على ما يخدم الإسلام وأهله.

أيها المسلمون، إن هذا البلد المبارك يعيش أمنا واستقرارا وطمأنينة بفضل الله قبل كل شيء ثم بتحكيم هذه الشريعة، ثم بما هيأ الله من هذه القيادة المباركة، أسأل الله أن يأخذ بنواصيهم بما يحبه ويرضاه وأن يوفقهم لكل خير ويعونهم على كل خير ويسدد خطاهم ويرزقهم الإخلاص ويوفقهم للحق والإخلاص لله في القول والعمل، وواجبنا الدعاء لهم بالتوفيق والسداد وأن نحرص على ما يجمع الكلمة ويؤلف القلوب ويقطع دابر الفساد، فإن الأمة إذا اجتمعت عزة وكرمة، وإذا تفرقت ذلة وهانة، ونسأل الله أن يعذنا من زوال نعمته ومن تحول عافيته ومن فجأة نقمته ومن سخطه، ونسأله جل وعلا أن يمن على المسلمين بالأمن والطمأنينة والسكينة وأن يختار لهم من قياداتهم من فيهم خير لهم في دينهم ودنياهم إنك على كل شيء قدير.

واعلموا رحمكم الله أنّ أحسنَ الحديثِ كتابُ الله، وخيرَ الهدي هديُ محمدٍ صلى اللهُ عليه وسلم، وشرَّ الأمورِ محدثاتُها، وكلَّ بدعةٍ ضلالةٌ، وعليكم بجماعةِ المسلمين، فإنّ يدَ اللهِ على الجماعةِ، ومن شذَّ شذَّ في النار.

وصَلُّوا رحمكم الله على عبد الله ورسوله محمد كما أمركم بذلك ربكم قال تعالى: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا)، اللَّهُمَّ صلِّ وسلِّم وبارِك على عبدك ورسولك محمد، وارضَ اللَّهُمَّ عن خُلفائه الراشدين أبي بكر، وعمرَ، وعثمانَ، وعليٍّ، وعَن سائرِ أصحابِ نبيِّك أجمعين، وعن التَّابِعين، وتابِعيهم بإحسانٍ إلى يومِ الدين، وعنَّا معهم بعفوِك، وكرمِك، وجودِك وإحسانك يا أرحمَ الراحمين.

اللَّهمَّ أعز الإسلام والمسلمين، وأذل الشرك والمشركين، ودمَّر أعداء الدين، وانصر عبادك الموحدين، وجعل اللَّهمّ هذا البلاد آمنا مطمئنا وسائر بلاد المسلمين يا رب العالمين، اللَّهمَّ آمنَّا في أوطاننا وأصلح أئمتنا وولاة أمرنا، اللَّهمّ وفقهم لما فيه صلاح الإسلام والمسلمين، اللَّهمّ وفِّقْ إمامَنا إمامَ المسلمينَ عبدالله بن عبدالعزيز لكل خير، سدده في أقواله وأعماله، ومنحه الصحة والسلامة والعافية، ووفق ولي عهده ونائبه إنك على كل شيء قدير، (رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالإِيمَانِ وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلاًّ لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ (رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ)، (رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ).

عبادَ الله، (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنْ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ)، فاذكروا اللهَ العظيمَ الجليلَ يذكُرْكم، واشكُروه على عُمومِ نعمِه يزِدْكم، ولذِكْرُ اللهِ أكبرَ، واللهُ يعلمُ ما تصنعون.

سماحة المفتي الشيخ عبد العزيز بن عبد الله آل الشيخ 

 

خطبة الجمعة 21-04-1435هـ

Bookmark and Share

عرض التعليقات

  • مناشدة الأمة الإسلامية لقراءة هذه الخطبة
    أدخل بواسطة : د. أبوالخير تراسون | تاريخ التعليق : 19/03/2014 01:44:13 PM | بلد المعلق : الفلبين

    حري بالأمة الإسلامية أن تستمع إلى هذه الخطبة القيمة النافعة من سماحة شيخنا الفاضل مفتي عام بالمملكة العربية السعودية جزاه الله خيرا ، هذه الخطبة من الأهمية بمكان وزمان وخاصة في هذا العصر الذي حدثت فيه بعض الانحافات من بعض الرعية تجاه ولي أمرهم ، مما تسبب الأمر إلى الأزمات والضعف والهوان ,


إضافة التعليق